تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

هيام أبو غزالة: العائلة والوطن في بؤبؤ العين

تعرَّفت طفلة على "هيام أبو غزالة"، من خلال صداقة الأسرتين، ومن خلال شقيقتيها: إلهام؛ أستاذتي للغة الإنجليزية، في مرحلة الإعدادية، وشادية؛ صديقتي ورفيقتي. وازدادت معرفتي بهيام، وتعمَّقت، بعد أن ربط بيننا رباط الأخوّة الأبدي.

 

من يعرف هيام أبو غزالة؛ يعرف ماذا يعني أن تكون العائلة والوطن في بؤبؤ العين.

 

كرَّست حياتها لعائلتها، بعد وفاة والدتها، وكانت الأم الحنون للطفلة شادية، التي كانت تبلغ الخامسة من العمر، عند وفاة والدتها. (وقد فجعت هيام باستشهاد شادية، عام 1968، ولما تبلغ العشرين).

عملت مدرِّسة، ثم مديرة، في مركز محو الأمية، التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية في نابلس، منذ عام 1952، حتى تساعد الأسرة في توفير ما يحتاجه أشقاؤها، من رعاية مادية ومعنوية وتربوية، تبعاً للظروف الاقتصادية الصعبة بعد النكبة عام 1948. وآثرت رعاية والدها وأشقائها، على استكمال تعليمها الجامعي، أو تكوين عائلتها الخاصة. واستنكفت عن العمل رافضة الاحتلال الإسرائيلي لمدينتها نابلس عام 1967م.

وبعد أن أتمَّ أشقاؤها تعليمهم الجامعي، واستقرت أمورهم؛ قررت هيام أن تستكمل تعليمها الجامعي، فدرست العلوم الاجتماعية، في جامعة بيرزيت، وتخرَّجت عام 1976/1977. ولم تكتف هيام بالشهادة الجامعية الأولى. سافرت إلى بريطانيا لتحصل على شهادة الماجستير، في مجال تعليم الكبار وتطوير المجتمع، من جامعة مانشيستر، عام 1987.

 

*****

 آمنت هيام بالتنمية الاجتماعية، بارتباطها بالتنمية الاقتصادية، والتربوية، والصحية، وبأهمية توفير التعليم لجميع أفراد المجتمع، كي يستطيعوا الإسهام في عملية التنمية، باعتبار أن أهم عوامل التنمية، خاصة في البلدان النامية هو العامل البشري؛ فالتحقت بجامعة بيرزيت فور تخرجها من الجامعة، وأسست دائرة محو الأمية وتعليم الكبار، عام 1976، وبقيت مديرة للدائرة، حتى إغلاقها، عام 1999، والتحاقها ببرنامج دراسات التنمية، التابع للجامعة. 

واصلت عملها في مجال تعليم الكبار، كمستشارة لبرنامج دراسات التنمية، وترأست "الشبكة العربية لتعليم الكبار للمنظمات غير الحكومية"/ فرع فلسطين، وبقيت تنشط ضمن موقعها في الشبكة حتى ساعة رحيلها في عمان، يوم 3 أيار 2011.

 

*****

وجدت هيام نفسها في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، وخاصة النساء، باعتباره أداة للتغيير المجتمعي، متبنّيَة نظرية "باولو فريري"، الذي آمن بإمكانية "منح المتعلمين سلطة، من خلال المعرفة التي يتلقونها، ومن خلال الاستحواذ على صوتهم الخاص".

دمجت هيام بين تعليم القراءة والكتابة وبين عملية ثقافية تحررية متكاملة، أساسها الحسّ الناقد، والحوار الخلاّق؛ الأمر الذي انعكس في مناهج وتدريب المدرِّسين، ولدى تأليف الكتب والبحوث  وإعداد البرامج المرئية والمسموعة، المتعلقة بتعليم الكبار.

ولأن نسبة الأمية بين النساء تكاد تكون ضعف نسبة الأمية بين الذكور، وأحياناً ثلاثة أضعافها؛ ركَّزت الدائرة، في جامعة بيرزيت، على تعليم النساء في مختلف القرى والمدن الفلسطينية.

"ونتيجة لعمل الدائرة الدؤوب بإدارة هيام، تم محو أمية الألوف من أبناء الوطن العزيز. وأصبحت الدائرة مركز تدريب رئيس لمعلمي ومعلمات مراكز محو الأمية في جميع أرجاء الوطن.

وتكريماً لعملها، قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الالكسو"، عام 1998، بمنح الدائرة جائزة محو الأمية الحضاري، وكذلك تم اختيارها لتكون عضواً في المجلس التنفيذي للشبكة العربية لمحو الأمية وتعليم الكبار.

هذا وقد كرَّمت الجامعة الأستاذة هيام أبو غزالة، ومنحتها درع الجامعة الخاص عام 1999، تقديرا لعملها الدؤوب في مجال محو الأمية وتعليم الكبار".

 

*****

"إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك يا هيام لمحزونون"،

ستظلين يا هيام مناراً لنا فى مسيرة الكرامة الإنسانية.. وعوناً لنا في الدفاع عن القضية الفلسطينية.. إنني افتقدك بغزة بكل معنى الكلمة".

                                                                        عماد حمدي الحطاب/ فلسطين- غزة

*****

"في عام 1964، في أول ربيع العمر؛ كنت أعيش في منطقة رفيديا، لجأت إلى نادي الفتيات، التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، للعمل، بعد أن تركت مقعدي الدراسي، وأنا في الصف الخامس، وبعد أن اقتنعت من بعض الصديقات بالذهاب معهن إلى ذلك النادي، فوجدت هذا المكان ملجأ آمناً، حيث أقضي وقتي بالفائدة والعمل الدؤوب. كانت تلك الأيام أجمل من أيام المدرسة الأولى، فقد كنت أتلهف للذهاب كل صباح هناك كأفضل طالبة مدرسية.

 أسماء تقرع ذاكرتي لمعلماتي..لكن أمي..صديقتي وأختي.. هيام أبو غزالة..كانت المديرة والمسؤولة عنا..كنت أحبها حباً شديداً..

وفي ذات يوم ألحَّ أبي على أمي، رحمهم الله، بأن أترك النادي، وكاد عقلي يطير، فصحبت أمي إلى هناك..دخلنا إلى غرفة الحبيبة..جلسنا وتحدثنا لساعة..وكان كلامها جميلاً عذبا ومقنعاً، ثم خرجنا من مكتبها، وأنا أطير فرحاً عندما اقتنعت أمي ببقائي مع الأحبة، وفي الطريق تذكرت أمي كلماتي، وضحكت. كنت أقول دائماً: "هيام..هيام..هيام..ثم أمك..ثم أبوك".

ما زال كلامها الذي خطته على دفتري (30/7/1967) محفوراً على ورقة من أوراق الماضي:

"باسمة العزيزة، أتمنى لك حياة سعيدة في ظل حكم عربي حر"  

حقاً..لقد عشت حرة ومت حرة".                                     طالبتك وأختك باسمة زبلح/ نابلس

*****

بالإضافة إلى مميزاتها الشخصية العديدة؛ تمتَّعت هيام بفضائل أبرزها: التواضع، ونكران الذات، والعمل بصمت. هذه الفضائل لا يمكن إلاّ أن تذكرنا بشقيقها الراحل د. مهندس: بسام أبو غزالة، الذي تميَّز بما يوصف بتواضع العلماء، وبعمله العلمي المبدع.

 ساهم د. بسام في نهضة الوطن العربي العلمية، من خلال مئات الخرِّيجين، الذين علَّمهم في الجامعات الأردنية، وعشرات الأبحاث العلمية، التي نشرها ضمن مجلات هندسية علمية محكَّمة. وكان قد أسَّس كلية الهندسة في الجامعة الأردنية، وعمل عميداً لها ثلاث عشرة سنة، بالإضافة إلى عمله نائباً لرئيس الجامعة للكليات العلمية.

 ساهم في تأسيس كلية طب الأسنان، في الجامعة الأردنية، وأسَّس جامعة العلوم التطبيقية، وترأس جامعة البلقاء التطبيقية. ولم يبخل طيلة حياته بتقديم خبراته ومعرفته العلمية العميقة، لكل من احتاجها.

*****

هيام الغالية،

لم تحتضني أولادك (أشقاءك) فحسب؛ بل احتضنتِ شابات وشباباً حرموا من استكمال تعليمهم، وضاقت بهم سبل الحياة والعيش والتواصل الإنساني.

أيتها الشقيقة والأم والأستاذة والصديقة؛ ما برح شعاع حنانك يظلل عائلتك. وسوف تبقى إسهاماتك العملية والعلمية، محفورة في وجدان شعبك الفلسطيني وذاكرته الجماعية.