حين نتأمل التحديات الجسيمة، التي تجابه شعبنا الفلسطيني، ونفكر في سبل مواجهتها؛ ندرك أهمية التأكيد مراراً وتكراراً على ضرورة تعزيز مشاركة مكوّنات الشعب الفلسطيني - وفي القلب منه النساء - في الحوارات الوطنية.
وفي ضوء استمرار إقصاء النساء، عن المشاركة في هذه الحوارات، كما اتّضح بشكل جليّ في لقاء المصالحة الأخير في مصر، وغيابهن عن أعمال لجنة المتابعة المنبثقة من اللقاء؛ تشتدّ الحاجة إلى حوار جاد وبنّاء ومثمر، يتناول الأسباب، ويبيِّن المخاطر، ويقترح الحلول، وهذا ما دعا المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية - مسارات، إلى تنظيم ورشة عمل حوارية، يوم 13 أيلول 2023؛ لتناقش أهمية وحيوية المشاركة النسوية الفاعلة في الحوارات الوطنية، والآليات الملموسة لتعزيز هذه المشاركة، مع الاستفادة من تجارب النساء الثرية في بلدان أخرى في العالم.
*****
ما الذي يمكن أن تضيفه مشاركة الكل الفلسطيني بشكل عام ومشاركة النساء بشكل خاص، إلى الحوارات الوطنية؟
من الضروري أن يشعر المواطن الفلسطيني بشكل ملموس؛ أن الوطن وطنه، وليس حكراً على فرد أو فصيل. وإذا كان الاحتلال الاستعماري الاستيطاني العنصري، يجثم على صدر الجميع، ويخنق أنفاس الجميع، ولا يفرِّق بين رجل وامرأة؛ يصبح من البديهي أن يتصدّى الشعب الفلسطيني بأسره لتحديات المرحلة، نساء ورجالاً – الفصائل السياسية، والنقابات المهنية، والمجتمع المدني، والحراكات الشبابية، والفعاليات المجتمعية - عبر وضع اليد على الجرح، بعد مراجعة نقدية مسؤولة للوضع الفلسطيني، لتحديد الهدف الاستراتيجي الوطني التحرّري، والهدف المرحلي، والاتفاق على برنامج سياسي، وآليات عمل، تتضمّن أشكال وأساليب مواجهة المخاطر والمشكلات والتحديات، التي تتزايد يوماً بعد يوم.
*****
ما هي آليات تعزيز مشاركة النساء في عملية حلّ النزاعات، والحوارات، وصنع السلم الأهلي؟ وما هي إشكاليات تعزيز مشاركة النساء الفلسطينيات في الحوارات الوطنية، وخاصة إنهاء الانقسام؟ وهل هناك تجارب نسائية ملهمة تقدم بعض الإجابات على هذه التساؤلات؟
أسئلة جديرة بالوقفة المتأنية، والنقاش العميق.
ناقشت المتحدثات في ورشة العمل هذه التساؤلات؛ لتقدِّمن قضايا جديرة بالتفكير والحوار ومحاولة الإجابة.
وقفن لدى قضية علاقة النساء مع المجتمع المحلي، وأكَّدن على أهمية نسج العلاقات مع مؤسسات المجتمع المدني كافة، حتى لا تبقى قضايا النساء معزولة عن مجتمعاتهن.
وطرحن أهمية اتخاذ النساء الحزبيات مواقف حرّة مستقلة عن تنظيماتهن، دون المساس بالعقيدة الحزبية الأساس، وأشرن إلى ضرورة مشاركة النساء المستقلات في الحياة السياسية.
كما جرى نقاش السبل التي تمكّن النساء من أن يشكّلن قوة نسوية، وأهمها وجود مصالح مشتركة بينهن يجدر تحديدها وتنظيمها، كي يتمكّنّ من المشاركة في صنع القرار؛ الأمر الذي يمكّنهن من الضغط لتحقيق مطالبهن، التي تتيح لهن مجالات أوسع للمساهمة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.
كما تمّ التأكيد على أهمية العمق العربي والدولي، لتطوير علاقة تركِّز على القضايا المشتركة التي يمكن العمل عليها، مع المنظمات النسوية العربية والدولية.
واستعرض المشاركون/ات تجارب عربية وعالمية، استطاعت فيها النساء أن يشكِّلن شبكات نسوية، وصلن عبرها إلى نقاط التقاء حول موضوعات محددة، أتاحت لهن العمل المشترك، وتبادل الخبرات والتجارب، والمبادرة بحملات إعلامية ومجتمعية، هدفن بواسطتها إلى التأثير في القرار السياسي وفي المجتمع.
*****
ما السبب الحقيقي، غير المعلن، لإقصاء النساء عن مواقع صنع القرار في فلسطين؟ وبالتالي عن الحوارات الوطنية؟
هل هو الفكر الأبوي؟ الثقافة المجتمعية الأبوية؟ غياب الديمقراطية؟
أعتقد أنها كل هذا؛ الثقافة المجتمعية الأبوية البائسة - حيث يهيمن النظام الأبوي، على العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، مما ينتج عقلية الخوف والعجز والاتكالية والخضوع من جانب، وعقلية مستبدة وسلطوية وفردية من جانب آخر-، والفكر الأبوي المعشعش في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ومؤسسات السلطة الفلسطينية، وبعض مؤسسات المجتمع المدني أيضاً، تلك الثقافة التي تؤكِّد لفظاً على مبدأ المساواة بين الجنسين، والنضال ضد التمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين، وعلى نبذ العنف، والمفاهيم القبلية، وتمارس عملياً اللامساواة، والفردية، والإقصاء، والتمييز ضد النساء.
لم يدمج المستوى التنفيذي الرسمي اتفاقية إنهاء كافة أنواع التمييز ضد المرأة، في النظام التشريعي الفلسطيني، وإن كان قد صادق عليها دون تحفظات، ولم يضغط المستوى الشعبي بشكل كاف، لإقرار مسودّة قانون حماية الأسرة من العنف، ومشروع قانون العقوبات، ولإلغاء التمييز، وتحقيق المساواة، والعدالة الاجتماعية، وتحقيق الشراكة السياسية.
كما أننا لم نراجع تجربة العمل النسوي، بعمق كاف؛ يتيح الكشف عن العوامل الذاتية بالإضافة إلى الموضوعية، تلك التي جعلت عملنا يراوح في مكانه حيناً، ويعود إلى الخلف أحياناً.
كم نحتاج إلى عمل جماعي دؤوب لتحقيق أهدافنا كشعب فلسطيني بالتحرّر والاستقلال والعودة! ولتحقيق هذا الهدف؛ كم نحتاج إلى عمل ثقافي وسياسي ومجتمعي، يحارب العصبية والقبلية والاستبداد والجهل والتخلف، وينبذ الأبوية، ويربط بين النظرية والممارسة، ويرسِّخ مبدأ قبول الاختلاف، والشراكة السياسية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، والمساواة، واحترام القانون، والثقافة الديمقراطية بتجلياتها!