"ففي السفرِ الحرِّ بين الثقافات/ قد يجد الباحثون عن الجوهر البشريِّ/مقاعدَ كافيةً للجميع. هنا هامش يتقدَّمُ. أو مركز يتراجع/ لا الشرقُ شرقٌ تماماً/ ولا الغربُ غربٌ تماماً/ لأنَّ الهويَّةَ مفتوحةٌ للتَّعدُّد/ لا قلعةً او خنادقَ"
محمود درويش
يعنى مهرجان ترومسو الأدبي العالمي السنوي: (Ordkalotten)، الذي ينظَّم في شمال النرويج، بالتركيز على توترات الشمال، والكشف عن التناقضات بين الشمال والجنوب، والانفتاح على أصوات أهل البلاد الأصليين، مسلِّطاً الضوء، على حالة الأدب المعاصر، وعلاقة الأدب المحلي بالأدب العالمي؛ الأمر الذي يكرِّس بعده العالمي.
يناقش المهرجان موضوعاً أدبياً محدداً، كل عام، منذ عام 2000م. وفي هذا العام (1-5 تشرين الأول 2008)، التقى شعراء وكتاب وموسيقيون ومسرحيون، من قارات وبلدان متعددة؛ لمناقشة موضوع: "كسر الحدود والحواجز، أخلاقياً، وجمالياً وفيزيائياً".
اجتمعوا ليتعرَّفوا على الإنتاج الثقافي العالمي، من شعر وموسيقا ومسرح وفن تشكيلي، ويناقشوا التجارب الثقافية المتنوعة، ويستمتعوا بالفنون البصرية والسماعية: معارض الفن التشكيلي، والتصوير الفوتوغرافي، والأفلام السينمائية، والكتب الجديدة، والمحاضرات، والندوات الحوارية، بالإضافة إلى الاستماع إلى القصائد، بلغة الشعراء الأصلية، مع بعض الشعر المترجم، إلى اللغة النرويجية، والإنجليزية.
تميَّز المهرجان بالاحتفال بألوان ثقافية متعددة، بأساليب غير تقليدية، فامتزج الشعر بالغناء حيناً، وامتزج الشعر بالموسيقا والفيلم التسجيلي حيناً، وأدرجت المشروعات الثقافية العملية، ضمن برامج المهرجان، حيث يشارك الطلبة الجامعيون، الذين يدرسون الكتابة الإبداعية، في فعاليات المهرجان، في الوقت الذي يناقشون فيه مشاريعهم وإنتاجهم، فيتفاعلون وينتجون في آن. كما نوقشت بعض مشروعات التعاون والشراكة بين ثقافتين أو أكثر، ضمن رؤية واسعة لكسر الحواجز والحدود، والتقارب، بين ثقافات الشعوب.
*****
أطلَّ الشاعر محمود درويش، على الكتاب المجتمعين، مع افتتاح المهرجان، وحيّاهم بقصيدته، التي قرئت باللغة العربية والنرويجية: "أطلّ، كشرفة بيت على ما أريد"، أطلَّ على أصدقائه، "وهم يحملون بريدَ المساء: نبيذاً وخبزاً، وبعضَ الرواياتِ والأسطواناتْ…" ووعدهم بالمزيد، بعد أربعة أيام، استجابة لنداء أصدقائه الشعراء والأدباء الألمان، الذين تنادوا إلى تكريس يوم 5 تشرين الأول، يوماً عالمياً لقراءة أشعاره.
*****
وفي الخامس من تشرين الأول، أطلّ الشاعر مجدداً على جمهور الشعر، من خلال شعراء عرب ونرويجيين، مقدِّماً قصائد متعددة، قُرئت بالعربية، والنرويجية والإنجليزية، من ديوان: "لماذا تركت الحصان وحيداً"، باللغتين العربية والنرويجية، وديوان: "في حضرة الغياب" باللغة العربية، بالإضافة إلى مجموعة قصائد، قديمة وجديدة، من عدة دواوين: "ديوان محمود درويش"، "كزهر اللوز أو أبعد"، "أثر الفراشة"، باللغتين العربية والإنجليزية.
*****
علَّق الشاعر الأمريكي/ الهندي: توماس لابلانك، (Thomas LaBlanc, or Tatanka Ohitika))، بعد استماعه إلى شعر محمود درويش: "أحسست بنبض الشاعر معنا".
كان المشهد دالاً تماماً: كرسي أحمر على المسرح، وشعراء عرب ونرويجيين، يقرأون القصائد وقوفاً، ومحمود درويش يجلس على الكرسي، وسط المسرح، وفي قلب المشهد الشعري العالمي.
*****
"لنا حُلُمٌ واحدٌ: أَن يمرَّ الهواءْ
صديقاً، وينشُرَ رائحةَ القهوةِ العربيةِ
فوق التلال المحيطة بالصيف والغرباءْ.."
*****
سافر الكتاب والشعراء ومنتجو الثقافة، عبر الحدود الجغرافية، ليكسروا الحواجز بينهم، ويتبادلوا التجارب، من خلال النقاش الحر المفتوح، ومن خلال التعرّف المتبادل على الإنتاج الثقافي، فهل فعلوا؟
لا شكَّ أنا تفاعلنا، نحن الكتاب العرب، مع العديد من الكتاب، والفنانين، والمثقفين، خلال مشاركتنا في المهرجان؛ لكن اللغة بقيت حاجزاً حال دون التفاعل الأعمق بيننا. بقيت مشاركتنا محصورة بحضور الفعاليات، التي توفرت فيها الترجمة إلى الإنجليزية، والمشاركة بالفعاليات، التي لا تتطلب الترجمة، مثل الشعر والموسيقا والفن التشكيلي؛ لكنا لم نتمكن من المشاركة في الفعاليات الحوارية، التي نظمت باللغة النرويجية؛ الأمر الذي جعلنا نتقدم بتوصية للمهرجان، بضرورة إيلاء الترجمة إلى اللغات الأخرى، مزيداً من العناية في المهرجانات المقبلة.
*****
نحتاج أن نفتح نوافذ المعرفة على مصراعيها، وأن نطلّ على كل جديد ثقافي، إطلالة نقدية مبصرة. نحتاج أن نتعرَّف إلى ثقافة الشعوب، بنفس القدر الذي تحتاج فيه الشعوب أن تتعرِّف على ثقافتنا.