د. فيحاء قاسم عبد الهادي
“دعهم يبنون الجدران الناتجة عن السياسات الخاطئة، والتفكير العقيم. تستطيع الكلمات أن تهزم الجدران/ الحقيقة والخيالية. مهمتنا نحن الكتاب والشعراء والمترجمين أن ننتصر عليهم”. يوه فرايسل/ ألمانيا
Let others build the walls of outdated thinking, of wrong” polices. Words have the power to overcome walls, real ones and imaginary ones. Our task as writers and poets and translators is to “overcome them
Uwe Friesel/ Germany
*****
كيف يمكن أن يحوِّل الشعراء والكتاب والمترجمون العالم المعتم إلى عالم مضيء؟! أن يهدموا الجدران التي تعزل الإنسان عن الإنسان، والإنسان عن الفكرة المبدعة؟!
كيف وبأية أدوات يمكن هزيمة الظلاميين والفكر الظلامي، والانتصار للحرية والإبداع؟
وهل يمكن أن يساهم الكتاب في نشر ثقافة التنوير، والانفتاح، والتعددية؛ مما يؤدي إلى الإحساس بالأمان في هذا العالم؟ ويحقق العدل والسلام؟ يؤكد الكاتب يوه فرايسل: “الكلمات هي حلم، والجدران واقع، هكذا يقول الواقعيون؛ لكن من قال إن الحالمين لا يدركون الواقع”؟!
The writer Uwe Friesel asserted:Words are a dream, walls are reality, say so-called realities. But who says that dreamers do not realize reality?
*****
شكلت قضية الحرية، وتحطيم الحواجز، والتواصل بين كتاب العالم؛ هاجساً لرئيس اتحاد الكتاب السويدي: بيتر كرومان (Peter Curman)، ورئيس اتحاد الكتاب الألماني: يوه فرايسل (Uwe Friesel).
عام 1989 كانت حلماً وفكرة لديهما؛ وبعد أن انضم إليهما كتاب وشعراء ومترجمون من بحر البلطيق؛ -الذين عرفوا، قبل السياسيين؛ أن هناك دائماً خيوطاً تجمع بين البشر، ممن يفكرون بطريقة متشابهة-، وتحديداً عام 1994؛ أصبح الحلم قابلاً للتحقق.
قرروا البدء بالحوار في منطقة حرة؛ فلم يجدوا أفضل من الإبحار الثقافي، عبر إرسال سفينة تضم أربعمائة كاتب/ة وشاعر/ة ومترجم/ة، من ثلاثين بلد حول بحر البلطيق، أبحرت عام 1994 نحو كل البلدان حول بحر البلطيق، حيث لا قيود ولا قوانين رادعة من أي لون، ولا جدران عازلة بين البشر والبشر، وحيث الحرية والانطلاق والأفق اللانهائي.
بقلب وعقل مفتوحين؛ استمع المبدعون/ات للشعر بلغات متعددة، وناقشوا مواضيع أدبية متنوعة تجمعهم، وتوحد بينهم؛ رغم الحواجز، ورغم اختلاف الواقع الاقتصادي، والسياسي، الذي يعيشونه؛ مما جعلهم يتفقون على ميثاق شرف ثقافي جامع، قبل نهاية الرحلة.
وبعد العودة إلى اليابسة؛ واصلوا الخطوات لتحقيق الحلم. وبالتعاون مع بعض الحكومات التي آمنت برسالتهم، وبالذات الحكومة السويدية، واليونانية، وبدعم من اليونيسكو؛ تمكنوا من افتتاح مقرين للكتاب والمترجمين في رودس، وفي فيزبي/ غوتلاند. هذان المقران وضعا قواعد للتواصل والفهم المشترك بين كتاب العالم، لم يحدث أبداً قبل هذا التاريخ.
*****
هذا العام، وبتاريخ 2-5 تشرين الأول 2014؛ واحتفالاً بمرور عشرين سنة على الإبحار الأول من رودس؛ نظّم المركز العالمي للكتاب والمترجمين في رودس (International Writers and Translators’ Center of Rhodes)، بالتعاون مع قسم دراسات الشرق الأوسط/ جامعة إيجيان (University of the Aegean)، ومع مجلس الكتاب والمترجمين المرتبطين بثلاثة بحار (Three Seas Writer’s and Translators’ Council)، مؤتمراً عالمياً بعنوان: “حرية التعبير والرقابة” (Freedom of Expression and Censorship).
To celebrate the occasion of the 20th anniversary of sailing from Rhodes this year, the International Writers and Translators Center of Rhodes organized an International Conference titled: “Freedom of Expression and Censorship”, during the period from 2-5 October 2014. The Center organized this event in collaboration with The University of Aegan, and with The Three Seas Writer’s and Translator’s Council.
ناقشت أوراق المؤتمر العلاقة بين حرية التعبير والرقابة، عبر العالم، واستعرضت قضية الرقابة، بعلاقتها مع حرية التعبير، من منظور تاريخي، وسياسي، واجتماعي، وأدبي، ووقفت لدى الأسباب الكامنة وراء الرقابة الذاتية التي يمارسها الكتاب على الكتابة.
وحين الاستماع إلى تجارب الشعوب المتعددة، بشأن حرية التعبير والرقابة، والرقابة الذاتية؛ يتبيَّن أن مساحة حرية التعبير تتقلص، والرقابة بشكل عام، والرقابة الذاتية بشكل خاص تتزايد، عبر العالم، رغم الفوارق بين البلدان؛ الأمر الذي يستوجب تكثيف النضال لتشريع القوانين التي تتيح حرية التعبير، في البلاد التي لا تمتلك هذه القوانين، وتصادر حرية التعبير، وتطوير القوانين، والنضال لتطبيقها، في البلدان التي تفخر بأن لديها هذه القوانين، دون أن تطبقها. بالإضافة إلى أهمية نشر الثقافة التنويرية، التي تقلص من الرقابة الذاتية التي يمارسها الكتاب والكاتبات على الكتابة الأدبية.
*****
وإدراكاً لأهمية الدفاع عن حقوق المؤلفين -الذين يصنعون غداً أفضل لمجتمعاتهم-، في دفع عجلة الإبداع إلى الأمام؛ خصصت جلسة في المؤتمر للحديث عن أهمية حق المؤلف، ولمتابعة التطورات العالمية بشأن ترسيخ القانون.
في ورقتي بعنوان: “الأمان الإنساني وحماية حقوق المؤلف في العالم العربي”؛ ركزت على الارتباط الوثيق، بين الاهتمام بحقوق المؤلف، والاهتمام بالإنسان والأمان الإنساني، متسائلة عن مدى الإحساس بالأمان الإنساني، في هذا العالم، الذي تهيمن فيه العسكرة، والاستبداد، والتحكم بالشعوب، على حساب الثقافة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان؟!
يؤكد السيد بان كي مون: “أن انتهاكات حقوق الإنسان والتعدي على دولة القانون، تتم في كل مكان في العالم، بدءاً من غزة، وصولاً إلى سوريا والعراق، مروراً بأوكرانيا أو أفريقيا الوسطى، معرباً عن أسفه لمرور العالم بسنة مروّعة بالنسبة للمبادئ المنصوص عليها في شريعة الأمم المتحدة”. وإذا كان الناس جميعاً قد ولدوا أحراراً، متساوين في الكرامة والحقوق، وإذا كان كل منهم يملك عقلاً وضميراً؛ فهل يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء، كما جاء في المادة الأولى، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟!
وهل هناك قوانين رادعة لكل من ينتهك حق الإنسان، في الحياة والحرية والسلامة، التي كفلتها له المادة رقم 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟!
*****
أما بالنسبة للإحساس بالأمان في العالم العربي؛ بارتباطه بالقوانين التي تحمي الإبداع؛ فالموضوع يحتاج مساحة أخرى للحوار.
نشرت تحت: ظاهرة ثقافية/ يوم 19 تشرين الأول 2014، على صفحات الأيام