اتفقت شهادات الفلسطينيين الذين هُجّروا عام 1948، على أن القوات الصهيونية قد لجأت إلى الطرد المنظَّم لعائلات فلسطينية بأكملها، بوسائل عدة، منها القتل المباشر، بقصف الطائرات، والدبابات، والمصفحات، وإطلاق الرصاص الحي، ومنها القتل غير المباشر، بواسطة الترويع، وبث الذعر في النفوس، من خلال ارتكاب المجازر، والاعتراف بهذه المجازر؛ بل وتضخيمها مما يؤكِّد أن ما حدث هو تطهير عرقي بامتياز.
ويتبيَّن من وصف الرواة لحياتهم الجميلة الهانئة في قراهم ومدنهم؛ أنهم لم يفكروا يوماً بالرحيل،
كما يتبيَّن من وصفهم لطرق التهجير؛ أنهم حين شُرّدوا من بيوتهم؛ اعتقدوا أنهم سوف يعودون إليها بعد فترة قصيرة، وكانوا ينوون العودة إليها بعد انتهاء الهجوم المباغت.
ومن خلال سرد رواياتهم تتّضح ملامح مؤامرة التهجير المستمرة، التي خططت لها الحركة الصهيوينة ضد الشعب الفلسطيني، وبدأت باعتداء من عصاباتها المسلحة، ثم بالتدخل العسكري المباشر من القوات الصهيونية، ثم بملاحقة الناس بإطلاق النار وراءهم، أما من بقوا في البلاد؛ فقد لجأت القوات الصهيونية إلى طردهم، تحت تهديد السلاح.
لا تحمل روايات المهجَّرين الفلسطينيين تفاصيل التهجير القاسية فحسب؛ بل تحمل أيضاً قوة الحق، الذي يتمثَّل بالإصرار على العودة، مهما طال الزمن.
إن الفلسطينيين، من خلال رواياتهم؛ يساهمون في إثراء الرواية الفلسطينة الأخلاقية، وتشكيل الرواية الفلسطينية الجمعية.