تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تونس وشارة الديمقراطية: “صوت الصوت الإنساني”

"إني أسمع تغريد الطير/ وحفيف الذرة النامية/ وحديث اللهب/ وطقطقة الفروع التي تنضج طعامي/ إنني أسمع الصوت الذي أحب/ صوت الصوت الإنساني/ إنني أسمع كل الأصوات، مندفعة معاً/ مختلطة ممتزجة، أو متتابعة/ أصوات المدينة/ أصوات الليل والنهار".                         والت ويتمان                                                                                   

*****

"ورقة العشب ليست أقل من حركة النجوم"،

همس محمد "البو عزيزي"،

لم يُلقِ خطبة عصماء،

أمام مقر ولاية سيدي بو زيد التونسية،

 

لم يعظ أو يتوعَّد،

لم ينتظر،

لم يحتمل،

اختار "حديث اللهب"،

وجعل جسده وقود النار،

*****

اشتعل القهر،

وتجوَّل في طول البلاد وعرضها،

تداعى الغاضبون واليائسون والمضطَّهدون والفقراء،

هدر العمال والطلاب،

خلعوا الأبواب، وشرِّعوا النوافذ،

سواسية هتفت النساء والرجال:

"من يُهن آخر يهنّي،

وما فُعل شيىء أو قيل؛ إلاّ ارتدَّ عليّ،

إني أقول كلمة السرِّ البدائية،

وأعطي شارة الديمقراطية،

ووالله، ما قبلت شيئاً لن يناله الآخرون، سواسية".

*****

حين درس شباب الوطن العربي مفاهيم الديمقراطية، وآلياتها، في بطون الكتب، وفي المحاضرات، والندوات، وورشات العمل، ثم تأمَّلوا واقعهم؛ اعتقدوا أن الديمقراطية بعيدة؛ بعد السماء عن الأرض.

لكنّ ثورة الياسمين في تونس، أعطتهم دروساً عملية في ممارسة الديمقراطية. رفعوا صوتهم، وجهروا بآرائهم. لم يطالبوا بحقهم في حياة كريمة فحسب؛ بل طالبوا أيضاً بحقوقهم المدنية والسياسية والثقافية.

 أدركوا أن المشاركة هي صلب الديمقراطية، وأنها صنو الحرية. 

*****

لم يحتملوا الرَّماد، بعد نار "بو العزيزي"،

في الجزائر، ومصر، ونواكشوط،

هل النار "أرحم من إخوتي"؟!

محمد فاروق محمد حسن/ مصر (خمسون عاماً)،

لم يحتمل غياب القانون، وخاصة أنه محامي. حين أهملت الشكوى التي تقدَّم بها إلى قسم شرطة السيدة زينب، بشأن مساعدته في إعادة ابنته إلى البيت؛ اشتعل ناراً، أمام مجلس الشعب.

وعبده عبد المنعم/ مصر (تسع وأربعون عاماً)،

لم يحتمل القهر، حين رُدَّ طلبه بشأن صرف حصة إضافية من الخبز المدعم، لمطعمه، في محافظة الإسماعيلية، بعد تقديمه شكوى للمسؤولين؛ فأضرم النار في جسده أمام البرلمان.

وأحمد هاشم السيد/ مصر (خمسة وعشرون عاماً)،

لم يحتمل البطالة؛ فأضرم النار في نفسه، فوق سطح بيته، في مدينة الإسكندرية.

ويعقوب ولد دحود/ نواكشوط (أربعون عاماً)،

لم يحتمل التمييز، وغياب العدالة الاجتماعية، رغم أنه رجل أعمال، ومن عائلة ثرية. أحرق نفسه، داخل سيارته، أمام قصر الرئاسة في نواكشوط.  "كتب على صفحته الإليكترونية بياناً سياسياً نشره على صفحة مجموعة أنشأها في  "الفيسبوك" تحت عنوان: "كفى فسادا وكفي ظلما في موريتانيا": "ألم يحن الوقت للشعب الموريتاني أن يختار بحرية و بجدية من يحكمه ويسير ثرواته، التي تكفيه غنى عن صدقات حكومات التخريب الأجنبية".

محسن بو طرفيف/ الجزائر (سبعة وعشرون عاماً)،

لم يحتمل البطالة، فتقدَّم بشكواه إلى رئيس بلدية خضرة/ ولاية تيسة/ أقصى شرقي الجزائر. وحين تهكَّم عليه رئيس البلدية، متحدِّياً أن يتَّبع أسلوب بو العزيزي؛ لم يحتمل الإهانة؛ فسكب البنزين على جسده.

*****

ليست "موضة الانتحار حرقاً"، وليسوا هواة للموت، وإن هان الموت في سبيل حياة حرة كريمة،

ليس الفقر وحده ما دفع إلى الثورة؛ وإن كان الفقر يدفع للخروج على الناس بحدّ السيف: "إني لأعجب  للرجل لا يجد قوت يومه ثم لا يخرج على الناس شاهراً سيفه"،

هي الكرامة الإنسانية، التي لا ترتوي سوى بتحقيق العدالة الاجتماعية،

من خلال ثورتهم؛ أعلنوا نهاية حكم الفرد واستبداده، وتحكمه في مصير شعبه، وتجسيدهم لمفهوم الديمقراطية، الذي يعني تداول السلطة بين الأفراد أو الجماعات،

 أعلنوا أن من يصنع التغيير الحقيقي هو الشعب، وأنه لن يقبل عن الحرية بديلاً،

أعلنوا أنهم قادرون على استخدام ثورة المعلومات لصالحهم،

 أثبتوا أن الديمقراطية لا يمكن استيرادها من خارجها، وأنها تعني اشتراك الشعب في حكم نفسه،

أعلنوا أن السيادة لهم. منهم تنتقل إلى الحكومة، ولن يقبلوا بغير ذلك،

أعطوا شارة الديمقراطية، المستندة إلى عنصريْن أساسيَّين من عناصرها: المشاركة والمساءلة.

*****

شعب تونس الحرّ،

"يعيّشَك"